بات التمديد أمراً واقعاً يتيح للنواب عاماً وخمسة أشهر إضافية من «التمثيل». إرجاء الانتخابات جعل «صيفيتهم» أطول. رغم ذلك، ينكر أغلبهم تخطيطهم لعطلة صيفية، أجنداتهم مثقلة بالمشاريع الانمائية والتشريعية ويلزمها تمديد إضافي لإتمامها كلها! فيما بعضهم في إجازة طويلة منذ انتخابه

رولا إبراهيم

على شاطىء جزيرة سانتوريني اليونانية، تبلل موجة متمردة على البحر الأبيض المتوسط بعض ملفات المتن الشمالي. يختلط زفت بعبدات ــــ ترشيش بزفت انطلياس وضبيه، فيضطر النائب ابراهيم كنعان الى وضع حبة الأناناس المجوفة بعصير مثلج جانباً لانقاذ مشاريعه. يحملها الى الفندق لوضعها في مكان آمن أملاً أن تجف قبل انتهاء اجازته الأسبوعية.

في قبرص، يمارس النائب آلان عون رياضته الصباحية تحت الشمس الحارقة. ما أن ينتهي حتى يعود ادراجه الى فندقه. يشعل التلفاز في محاولة يائسة لالتقاط أثير محطة لبنانية. ينتقل الى حاسوبه متجولا بين المواقع الالكترونية عله يجد ما يساعده على اعادة التقاط أنفاسه. يرتاح أخيراً، لا خبر عن تحديد موعد جلسة لمناقشة قانون الانتخابات ولا أي اشارة من هذا النوع. باستطاعته الآن مواصلة الاسترخاء.

لا تفسح أجندة النواب «المثقلة» بالمشاريع الانمائية والتشريعية سوى لكنعان وعون بقضاء عطلة قصيرة خارج لبنان هذا الصيف. ينتظر كنعان الانتهاء من موضوع سلسلة الرتب والرواتب حتى يتحول حلم اليونان السابق الى حقيقة، ليعود بعدها الى واجباته النيابية. فيما يوازن عون بين اهتماماته الحزبية في بعبدا وتحريك رئيس المجلس نبيه بري للجنة التواصل النيابية من أجل توفير ولو ثلاثة أيام للترفيه في قبرص. للنائب سيمون أبي رميا اسباب مختلفة تدفعه للسفر الى فرنسا حيث زوجته، لذلك سيمنح نفسه أسبوعا من الراحة للاطمئنان عليها. ومن جهة أخرى، يحتم قرب حلول شهر رمضان على النائب عمار حوري البقاء في لبنان، على أن يستطيع بعدها التسلل لبضعة أيام الى الخارج. أما جدول الأعمال الأشهر المقبلة، فسيركز، وفقا لحوري، على اقرار قانون انتخابي والضغط لتشكيل حكومة في أسرع وقت.

باستثناء الأربعة السابقين، يرفض أي نائب البوح بوجهته هذا الصيف أو حتى رغبته بالسفر. يخجل هؤلاء من حقهم الطبيعي في قضاء اجازة شأنهم شأن باقي المواطنين، رغم عدم خجلهم من المكوث سنة وخمسة أشهر اضافية على صدور اللبنانيين. لا يجرؤون على ذكر رغباتهم في «ويك أند» ترفيهي، فيما يشرعون لألسنتهم التفوه يوميا بآلاف الكلمات المذهبية والتحريضية. لن يتجول ممثلو الأمة بقمصان البحر الوردية هذا العام ولن يتمايلوا على أنغام «الغانغام ستايل»، «فالتمديد زاد من مسؤولياتنا وعبث في اجازاتنا»، يقولون. «لدينا ما يكفي من المشاريع والالتزامات لانقضاء الصيف في غمضة عين»، وربما يلزمهم تمديد اضافي لانجازها كلها! البعض منهم يثنيه «حرمان» أولاد منطقته عن السفر، فيتعفف بحجة المكوث الى جانبهم رغم قلة نشاطه خلال ولايته. البعض الآخر استفاق عشية التمديد على ضرورة الاتفاق على قانون انتخابي، لذلك أقسم على عدم مغادرة البلاد الا برفقة قانون قد لا يتيح له العودة أصلا، والقسم الثالث مرتبط بأجندة اقليمية أمنية تثنيه فعلا عن ترك البلاد مقابل وعود بإجازة طويلة في الجنة. فالنائب رياض رحال، على سبيل المثال، لن يغادر مجلس النواب هذا الصيف لانشغاله على حدّ قوله بجلسات اللجان التشريعية، التي تبين أنه غاب عنها بشكل شبه دائم طوال السنوات الأربع الماضية! يضيق صدر «الدكتور رياض» عند سؤاله عن الاجازة، حتى بعد شرح مطول له بأن ما سبق ليس بشتيمة بل حق مشروع، فيقفل هاتفه.

يختلف بدر ونوس عن زميله في كتلة «لبنان أولا». يبدو ونوس أكثر تصالحاً مع نفسه: «لن أسافر هذا العام حتى لفترة قصيرة كما جرت عليه العادة سابقا لأسباب خاصة، ونظرا الى الوضع الأمني الذي تغرق فيه منطقتي». أما أولوية ما بعد التمديد، «فللقانون الانتخابي والمشاريع الانمائية». قبل تنصيبه نائباً، صال النائب خالد زهرمان وجال طويلا بين الدول. لذلك ليس السفر من اهتماماته الآنية بل «اعادة احياء لجنة التواصل للوصول الى صيغة توافقية». وكون التمديد أصبح واقعاً، من الضروري «ملاحقة مشاريع قوانين الكتلة في المجلس اولاً، وفي مناطق الشمال ثانياً، رغم ضعف الامكانيات المادية».

سياحة مناطقية

في زغرتا، لا ضرورة للسياحة خارجاً في نظر النائب اسطفان دويهي. لذلك لن يخطط لرحلات ترفيهية طالما أنه قادر على الاصطياف في منطقته: «سنحاول خلال الفترة الممددة اصلاح ما اقترفناه من تغييب للشعب في مجلس النواب». ورغم أن دويهي أحد المصوّتين على التمديد، الا أنه يرى في «تأجيج السياسيين للأوضاع الأمنية وعبثهم بالسلم الأهلي رغبة في فرض تمديد جديد غير التمديد الحالي». من زغرتا الى كسروان، الحال ذاتها: «ان شاء الله يكون في سفر، ولكن بانتظار اجازة على غفلة ستكون الاجازة رئيسية في منطقتي كفردبيان»، يقول النائب فريد الياس الخازن. في قاموس الأخير «التمديد وقت ضائع ووضع غير سليم في غياب المحاسبة»، انما «سنستثمره كي نهتم بالملفات الانمائية والتشريعية». من جهته، «سافر» النائب جورج عدوان نهاية الأسبوع الفائت الى دير القمر في الشوف، وهذه بمثابة عطلة بالنسبة اليه. أما قائمة جدول أعماله، فيرأسها «قانون الانتخاب» التي لم توفر «القوات جهداً الا وسارت به كي يصار الى التوافق».

على المقلب الكتائبي، يريد النائب ايلي ماروني «قانوناً جديداً ثمنا للتمديد». يسخّر كل وقته لمتابعة مشاريع قوانينه، ومنها مشروع يعني الشباب والصبايا سيبدأ العمل به الأسبوع المقبل: «أنا من النواب النادرين الذين لا يتركون زحلة، وسأكمل نهجي هذا». ونظرا الى أن زحلة بلدة اصطياف، «لا أفكر بالسفر خارجا ولو لبضعة أيام». لذلك اقتصرت «رحلاتي في السنوات الأربع الماضية على كندا وأميركا بدعوة من الجاليات اللبنانية هناك».

بعيدا عن الاصطياف المناطقي والخجل النيابي، هناك بين النواب من يتحدث عن السفر والطائرات باشمئزاز. لا يشكو النائب اميل رحمة من «فوبيا الطيران»، ولكنه لن يحزم أمتعته قريبا للترفيه عن نفسه خارج لبنان: «صرت اكره السفر»، يقول. في المقابل، يخطط رحمة لأسبوع ترفيهي يبدأ في الأرز وينتهي في فاريا. يتمنى لو لم يكن لقبه الحالي «نائب التمديد». يبرر تصويته على التمديد بوضع منطقته (بعلبك) الاستثنائي، لذلك لم يحذ حذو قرار تكتل التغيير والاصلاح: «لا يمكن وضع صناديق اقتراع فيما صناديق الشهداء تصلنا كل يوم».

من جهته، لن يسافر نائب جزين ميشال الحلو هو الآخر، ولم يسافر منذ 4 أعوام. سيواظب في الأشهر المقبلة على حضور جلسات اللجان والعمل قدما على مشاريع قوانينه من تملك الأجانب الى منح المتحدرين من أصل لبناني الجنسية اللبنانية. يمكن في هذا السياق للحلو الاستفاضة في حديثه عن التشريع واقتراحات القوانين، فهو، وفقا لأجندة مجلس النواب، من أكثرهم نشاطا وحضورا وفعالية على عكس رياض رحال. النائب حكمت ديب لن يترك قضاء بعبدا هو الآخر. يكتفي برحلاته الى الامارات وفارنا بعد فوزه بالنيابة العام 2009، والأحوال المادية لا تسمح له أصلا بالسفر مجددا. لذلك سيتوجه الى قرى بعبدا حيث الاحتفالات والمهرجانات الصيفية الكفيلة بامضائه أوقاتا سعيدة. وفي المقابل، ثمّة نواب، كسعد الحريري وعقاب صقر، يصعب الوصول اليهم لسؤالهم عما إذا كان في نيتهم قطع اجازاتهم المفتوحة منذ سنوات للالتفات قليلاً الى حاجات ناخبيهم!

واجب التحريض

أصبح التمديد أمراً واقعاً. لا يمكن «أصحاب السعادة»، مهما حاولوا، اخفاء ابتساماتهم. باستطاعة هؤلاء ترداد مشاريعهم الانمائية وقوانينهم التشريعية ورغباتهم بقانون انتخابي «عصري» وحكومة وطنية لأيام أمام المرآة، انما لم تعد حيلتهم تنطلي على أي من اللبنانيين بعد أن عطلوا بأنفسهم كل مساعي التوافق. ما لم تنجزه أيديهم خلال أربعة أعوام، لن تنجزه أعجوبة خلال عام وخمسة أشهر. كلما طالت الأزمة السورية، طال تمديدهم لأنفسهم. سيزيدون من مراهنتهم على سقوط النظام بينما يديرون لناخبيهم أسطوانة النأي بالنفس. ستتضاعف مذكراتهم وشكاواهم فيما يضاعفون تسليح مقاتليهم «بالحليب والبطانيات». أما بعض من ليس السفر على رأس أجندتهم، فقد يكون مردّ ذلك أن تأجيج الصراع المذهبي يتطلب حضوراً دائماً.